الاخوة والاخوات.. مبارك ''اتحبس''
هل تعاطفت ولو للحظات مع الرئيس المصري السابق مبارك.. هل تعاطفت معه لأنه رجل ''عجوز'' بلغ من العمر ارذله- يقفل 84 في مايو القادم- هل تعاطفت معه لان كان قائدا عسكرياً.. بغض النظر عن حجم دوره الذي قام به في حرب اكتوبر إلا انه يظل من ابطال الحرب.. اذا كانت تعاطف مع لهذا الاسباب. ادعوك معي للتجول في السطور التالية.
.
في البداية، لا اعتقد ان تسلل شعور مثل هذ يدعو للخجل، وبغض النظر عن ما يقال أن ذلك احد اعراض ''متلازمة استكهولم''.. وهي حالة نفسيه تصيب بعض الضحايا اذا حدثت عشرة مع جلاديهم، وهذا يحدث غالباً في حالات الخطف والاغتصاب، وقصة هذه التسمية - بسرعة كدا- تعود لحادثة خطف وسرقة لاحد البنوك، نتج عنها 6 رهان ظلوا تحت سلطة الخاطفين لفترة، مما خلف نوع من العشر والتعاطف بل والعاطفة !!، وبعد القبض علي الجناة كانت المفاجأة.. فالدفاع كان من بعض المختطفين.. وكانت هذه الحادثة فى عاصمة السويد استكهولم'' ومن هنا جاءت التسمية.
.
ورغم تنازع احساس التعاطف مع احساس عكسه تماماً وهو الشماتة بالنسبة لما شعرت به بعد قرار حبس مبارك احتياطيا، الا انني حاولت ان اصل الي منطقة وسط، تجعلني اتخلص من التعاطف، وتترفع بي عن الشماتة التي لا تليق ب''أخلاق الثورة'' والتي احاول جاهدا أن اراعيها في كل افعالي واقوالي.. لذا حكمت العقل والمنطق والضمير الوطني.. وتذكرت كيف كانت الامور تسير في مصر قبل 25 يناير، وكيف كان الفساد والمفسدين هم القاعدة.. والشرفاء الاستثناء، تذكرت كيف كانوا يكيدون بالشعب المصري ويريدون ان يورثوه غصبا، وكانه قطعة اثاث يملكونها.. فكان مصيرهم جميعاً السجن.. جزاءً اراه عادلاً على ما فعلوه بمصر.
.
هل مازالت متعاطف مع مبارك؟.. حسناً، اي حديث موضوعي حوله، يجعلنا نتوقف امام سؤال رئيسي ؟ هل كانت الحياة تسير وفق ما نحلم به وما تستحقه مصر وشعبها في عصر مبارك البهي؟ دعوني اتسرع في الاجابة على هذا السؤال السهل، خاصة وان رموز النظام نفسه لم تكن راضية.. فما بالنا بالشعب، الذى لم يري عصرا اسود من هذا.. عصر لم ترى مصر اقبح و افقر واجهل منه.. عصر اهدر كرامة مصر والمصريين في كل مكان في العالم.
.
هذه الاجابة تقودنا راساً لسؤال اخر، وهو: لو طلب منا ان نختار شخص واحد فقط يكون مسئول عن كل ما حدث لمصر في السنوات الماضية.. من سيكون؟ سأترككم مع الاجابة.... ولكني سأوضح امر بسيط، ربما يساعد علي ان نصل لنتيجة حول مبارك.. فهو اما انه كان رئيساً فاسداً، يدير منظومة فساد وظلم ممنهجة وقانونية وكمان شفافة.. وفي هذه الحالة لا مجال لكي تستمر في التعاطف معه، بعدما عرفت كيف كان الفساد باعتراف رموز عصره للركب.
.
والاحتمال الاخر انه راجل طيب وأمير.. بس للاسف ''معرفش'' ماذا الذى كان يدار من خلف ظهره من فساد، فبحسن نية سلم البلاد ''تسليم أهالي'' لعصابة قامت بسرقة خيرات مصر من شرقها لغربها.. وهذا تم علي سهوا وفي السر طوال 30 عاماً.. واعتقد ان هذه الحالة اسوء له ولنا.. لأنها تعني انه كان يحكمنا رئيس ''مابيعرفش''، وهو ما لا يعفيه من كل الجرائم التي تمت في عصره.
.
ايها الاخوة والاخوات.. لو هناك من هو مستمر في تعاطفه مع مبارك، ومقتنع بما قاله عن نفسه بانه رجل شريف وعفيف ولا يملك حسابات ولا عقارته ولا اي حاجة خالص هو اولاده.. فعليه أن يعود لتصريحات الخارجية الامريكية، وبعض دول الاتحاد الاوربي، والتي لم تنفى وجود ارصدة لمبارك لديها، ولكنها ربطت الكشف عنها وتعقبها، بطلب رسمي من جهات التحقيق في مصر.. بعد محاكمة مدنية طبعا.
.
ثم هل من المعقول ان تكون له ارصدة رسمية معلنة باسمه هو واسرته.. هل يعتقد مبارك اننا شعب ''عبيط''، لا يعرف ان هناك شركات متخصصة في عمليات غسيل الاموال، واخفاء مصادرها ووضعها في متاهات يصعب، ان لم يكن من المستحيل تعقبها.. بجد عيب علي رئيس مصر ان يظن انه كان يحكم شعب من الجهلة.. واننا ممكن ان نصدق انه خرج فقيراً !!
.
هل مازالت مصراً علي التعاطف معه.. يبدو انك من النوع الذى يعتقد أنه رجل الحرب والسلام، وانه حمى مصر وحفظ دماء ابناءها من ويلات الحروب طوال فترة حكمه.. طيب، لعلمك عدد بند واحد فساد من عصر مبارك وهو ''الطرق والكباري'' – الذي كان يفتخر بها هو نفسه- كلف مصر 6486 من ابناءها العام الماضي فقط.. رقم اخر ساذكره لك ربما يساعدك علي ان تفهم اكثر، جميع ضحايا حرب اكتوبر لا يتجاوزن باي حال 800 شهيد.. اذا كنت مازالت غير مقتنع، فليس امامي غير ان ادعوك لترى أسر شهداء ثورة 25 يناير، لتعرف من المجرم الحقيقي، الذي امر أو علي افضل الظروف سكت عن هذه المجزرة في حقهم.
.
كلمة أخيرة: اعتقد أن الكثير من اسباب شعورنا بالتعاطف، هو نوع من التباكي على الحال.. فرئيس مصر اصبح سوابق هو وابنيه، وعدد 2 رئيس مجلس وزراء، وشلة مفتخرة من وزراء مصر في السجن .. ورجال الاعمال وبعض اعضاء مجلس الشعب، والكثير من المسئولين في ''طره'' أو في طريقهم اليه.. ورغم ان هذا يدعو للسعادة – علي الاقل بالنسبة لي- لان الغمة انزاحت وعاد لمصر كرامتها وحريتها.. ولكنه ايضا امر يدعو للحزن، لأنه تقريبا كل من حكمنا مع مبارك كان فاسداً.. ولك الله يا مصر من قبل ومن بعد !!
